سلة مشترياتك فارغة في الوقت الحالي!

ضريبة اللون الوردي: لماذا ندفع أكثر لنفس المنتج فقط لأنه “للنساء”؟
وهل النعومة حقًا أغلى ثمنًا، أم أننا نشرب الوهم المعلّب باللون الوردي؟
تخيلي أن تقفي أمام رفّ في متجر ضخم. على اليمين شفرة حلاقة بلون أزرق غامق، وعلى اليسار نفس الشفرة، بنفس التقنية، نفس المعدن، نفس الغلاف البلاستيكي، ولكنها باللون الوردي الناعم. الفرق؟ السعر أعلى للنسخة “الخاصة بالنساء”. هنا السؤال الذي ينساب إلى العقل بلا استئذان: منذ متى أصبح اللون معيارًا اقتصاديًا؟ وهل أنوثتنا تحتاج ضرائب إضافية كي تُحترم؟
الشركات لا تبيعكِ منتجًا فقط، بل تبيعكِ إحساسًا ملفوفًا بالورق اللامع. يزرعون في اللاوعي أن “النسخة الأنثوية” أنعم، أرق، مصممة خصيصًا لكِ، بينما هي في معظم الأحيان نسخة معاد تدويرها من منتج رجالي، غُيّر لونه ورُفعت قيمته في السعر. أليس هذا إعادة تغليف للوهم؟
الإعلانات لا تُخاطب عقل المرأة مباشرة، بل تُخاطب شعورها الدائم بأنها تستحق “الأفضل”، وتُلمّح أن من لا تختار المنتج الأنثوي المخصص لها فهي تهمل نفسها. في لحظة بسيطة يتحول الاختيار إلى اختبار: إما أن تكوني الأم/المرأة التي “تدلل نفسها” وإما أنكِ لا تعتنين بنفسك. هنا يظهر FOMO الحقيقي: الخوف من أن يُرى أنكِ مقصّرة في حق نفسك!
لكن، ماذا لو أوقفنا هذا النمط لحظة وتأملنا؟ هل تعلمي أن هناك دراسات اقتصادية كاملة توضح أن النساء يدفعن في المتوسط ٧ إلى ١٠٪ أكثر من الرجال على منتجات يومية متطابقة، فقط لأن الشركات وسمتها بملصق “للسيدات”؟ من أدوات الحلاقة، إلى الشامبو، حتى الأقلام! كأن السوق يفرض علينا أن ندفع أكثر فقط لكوننا نساء.
هذا ليس مجرد استغلال اقتصادي، بل إعادة برمجة لعلاقتنا مع أنفسنا. يُراد لنا أن نصدق أن الأنوثة تحتاج تكلفة إضافية كي تكون مرئية ومقبولة. كأن قيمة المرأة في السوق تُقاس بعدد المنتجات الوردية التي تستهلكها! هل هذا وعي أم قيد؟
دعيني أحكي لكِ عن سيدة شاركت تجربتها في إحدى مجموعات الأمهات. قالت إنها لسنوات كانت تشتري منظف وجه “خاص بالنساء”، باهظ الثمن، مكتوب على عبوة زهرية بعبارات مثل: نعومة فائقة، رعاية للأنوثة، مصمم للبشرة الرقيقة. وفي يوم ما، بسبب أزمة مالية، اضطرت لشراء نسخة رجالية أبسط وأرخص. المفاجأة؟ النتيجة نفسها، بل حتى أقل تهيجًا لبشرتها. هنا استيقظت على سؤال لم تجرؤ أن تسأله من قبل: لماذا كنت أدفع ضعف المبلغ؟ من الذي أقنعني أنني لا أستحق إلا الغلاف الوردي؟
الجوهر هنا ليس فقط في كشف اللعبة، بل في إدراك أن وعينا الاستهلاكي قد صُمم بعناية ليخدم المنظومات الكبرى. كل إعلان، كل صورة وردية، كل شعار يوحي بالنعومة والأنوثة، هو خيط في شبكة ضخمة تُعيد إنتاج قناعاتنا. ومن خلال هذه الشبكة يُصنع السوق الذي يستنزف جيوب الأمهات، ويزرع داخلهن شعورًا بالذنب إذا لم يواكبن “المعيار الأنثوي” المفروض.
ولكن… ماذا لو كانت القوة الحقيقية في القدرة على الاختيار؟ في لحظة صمت أمام الرف، أن تسألي نفسك: هل أحتاج فعلًا هذه النسخة “الخاصة”؟ أم أنني أُقاد لاختيارها لأنني اعتدت أن أُقاد؟
حينها يبدأ التغيير الخفي: ليس في ترك كل المنتجات، بل في كسر الحلقة النفسية التي تجعلكِ تخضعين للاستهلاك المبرمج. النجاح ليس في مقاطعة السوق، بل في أن تملكي وعيًا يسبق قرارك. أن تشتري لأنك اخترتِ، لا لأنك قُدتِ.
وفي العمق، هذه ليست معركة مع منتج وردي أو أزرق، بل مع نمط كامل من التفكير. مع الاعتقاد بأن الأنوثة سلعة، وأن الأمومة سوق. هنا يصبح السؤال الأكبر: هل يمكن أن نعيد تعريف أنفسنا بعيدًا عن الملصقات؟
تخيلي لحظة انعكاس مع نفسك: أنتِ التي تحددين قيمة وقتك، جسمك، خياراتك. اللون لا يُضيف شيئًا لكِ، العبوة لا تصنع جوهرك، والشعار لا يُعرّفك. كل هذه مجرد أدوات خارجية تُستخدم لقياس داخلك. ولكن داخلك أقوى. حينها ستشعرين بصفاء عجيب، كأنكِ وجدتِ مفتاحًا كان مفقودًا: أن القيمة لا تُفرض، بل تُصنع من الداخل.
ندعوكِ لمشاركة أفكارك وتجاربك حول هذا الموضوع. نحن هنا في “مامَز أونلاين” لا نصنع دراسات أكاديمية بعيدة عن واقعك، بل نخلق مساحة وعي حقيقية تنبني من أصواتكن أنتن، الأمهات الحقيقيات. ربما تكون مشاركتكِ بذرة دراسة جديدة تُعيد رسم ملامح علاقتنا مع الاستهلاك، بعيدًا عن الوهم المغلف باللون الوردي.
by
Tags: